“أزمات غرب أفريقيا تتفاقم مع انقلاب النيجر وتهديد مصالح القوى الدولية…مآلات انقلاب النيجر”
خاص مركز مسارات
تحليلات في الشأن الإفريقي
مقدمة:
يرتبط انقلاب النيجر بشكل مباشر بالتوترات بين الرئيس النيجيري محمد بازوم وقادة عسكريين كبار، والصراع المحلي على السلطة. ومع ذلك، لا يبدو أن العنصر العرقي هو الدافع الرئيسي وراء الانقلاب. ورغم عدم وجود دلائل على تدخلات خارجية، من المتوقع أن تكون تداعيات الانقلاب أكبر من الأسباب المحلية.
هناك مؤشرات تشير إلى أن الانقلاب لن يكون قصير الأمد، وعلى الرغم من العقوبات الاقتصادية، فإن الأوضاع الداخلية تعزز من استمرارية الحكومة العسكرية بدلاً من عودة بازوم إلى السلطة. وبينما يعاني غرب أفريقيا من أمور أمنية معقدة، وتظهر بعض الحكومات تأييدها للمجلس العسكري في النيجر، إلا أن فرص التدخل الخارجي العسكري تظل محدودة.
من المتوقع تدهور العلاقات بين النيجر وشركائها الغربيين قصير الأجل، ومن الممكن أن تشهد الإقليم تشكل جبهة إقليمية تضم مالي وبوركينافاسو والنيجر لمواجهة الضغوط الدولية والإقليمية على الحكومة العسكرية. وهذه الجبهة قد تحصل على دعم من جهات دولية أخرى، خاصةً في ظل تصاعد العداء الإقليمي لفرنسا.
الشركاء الدوليين للنيجر قد يتبنون نهجًا براغماتيًا، يعتمد على الحلول الدبلوماسية للحفاظ على التعاون الأمني على المدى الطويل، بالرغم من أهمية النيجر الاستراتيجية بالنسبة لهم. وربما يتحفزون للتعاون مع قادة الانقلاب لتحقيق انتقال سلمي للحكم المدني. وحتى ذلك الحين، ستظل مستقبل الديمقراطية في النيجر مهددًا مع استمرار سيطرة المجلس العسكري على المؤسسات الحكومية والعملية السياسية.
تبقى الصين والقوى الإقليمية العربية على اتصال وتعاون اقتصادي وعسكري مع الحكومة العسكرية في النيجر، دون التدخل بشكل عدائي. وفيما يخص تركيا، من المرجح أن يتخذ نهجًا براغماتيًا نحو الحكومة العسكرية، بناءً على التنافس الجيوسياسي مع فرنسا واهتمامها بتعزيز العلاقات.
تفاصيل الانقلاب في النيجر وتداعياته
في يوم الأربعاء 26 يوليو/تموز الماضي، احتجزت عناصر من الحرس الجمهوري النيجيري الرئيس محمد بازوم، وخلال اليوم التالي أعلنت قيادة الجيش دعمها للانقلاب. وفي 30 يوليو/تموز، فرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” عقوبات مالية وتجارية على النيجر، بما في ذلك تجميد أصولها في البنك المركزي الإقليمي وحظر السفر، مع مطالبة بإعادة بازوم إلى منصبه في أسبوع.
تاريخ الانقلابات في النيجر ودوافعها
النيجر شهدت أربع انقلابات ناجحة منذ استقلالها عام 1960، وفي كل مرة عاد الجيش الحكم إلى المدنيين وحافظ على سياسته الخارجية، ولكنها شهدت أيضًا انقلابات فاشلة، آخرها عام 2021. يرتبط انقلاب النيجر الحالي بالعلاقات المتوترة بين الرئيس بازوم وقادة الجيش، حيث انعكست تغييرات في القيادة العسكرية على العلاقات بينهما. كما أن سياسات الرئيس بازوم تجاه الجماعات المسلحة والتحالف مع الشركاء الغربيين زادت من توتر الوضع.
تداعيات الانقلاب وموقف المجتمع الدولي
تفاقمت الأزمات في غرب أفريقيا مع الانقلاب، وتعلقت دول غرب أفريقيا المساعدات، وفرضت “إيكواس” عقوبات مالية وتجارية. اتجهت القوى الدولية نحو التصدي للوضع، حيث قدمت “إيكواس” مهلة لإعادة الرئيس بازوم إلى السلطة. في 8 أغسطس/آب، وافقت “إيكواس” على حشد قوة عسكرية للتدخل في النيجر.
التحديات والتوقعات المستقبلية
تزايدت التوترات بين الرئيس بازوم وقادة الجيش نتيجة التغييرات في القيادة العسكرية والسياسات الأمنية. يُعتقد أن دوافع الانقلاب تتصل بالعلاقات المحتدمة بين الرئيس والجيش وليست ذات طابع عرقي. تظهر التحديات المستقبلية في محاولة استعادة الاستقرار والمصالحة، وربما تنشأ جبهة إقليمية لمواجهة الضغوط الدولية والإقليمية على الحكومة العسكرية. تتوقع أن تستمر التداعيات والتحديات على المدى الطويل، حيث تتصاعد الضرورة للعمل مع قادة الانقلاب للتحول إلى حكم مدني.
بعد مضي حوالي ثلاثة أسابيع على الانقلاب في النيجر، تبدو الأوضاع الداخلية ملائمة لقادة الانقلاب. تمت الإشارة إلى أن الانقلاب من المرجح أن يكون طويل الأمد بناءً على الاعتقالات التي طالت قادة الحزب الحاكم والمسؤولين التنفيذيين، ما قد أثر على قدرتهم على الحشد والتعبئة. ومع ذلك، يمكن للتهديد بالتدخل العسكري وفرض العقوبات أن يعززا من دعم الشعب لقادة المجلس العسكري، خاصةً في ضوء العداء تجاه التواجد الأجنبي في البلاد.
العقوبات التي فرضتها الإيكواس والغرب من الممكن أن تفرض ضغوطًا اقتصادية كبيرة على النيجر، إذ تمثل المساعدات الإنمائية الدولية نسبة كبيرة من ميزانية البلاد. على الرغم من ذلك، قد يستخدم المجلس العسكري خطابًا شعبويًا لتعزيز مشاعر الوطنية وتجاهل التدهور الاقتصادي، مما قد يسمح له بالبقاء في السلطة.
موقف الإيكواس تجاه الانقلاب يشهد انقسامًا، حيث تهدد بعض الدول بالتدخل العسكري لإعادة الرئيس المعزول إلى السلطة. بينما تحذر دول أخرى من أن أي تدخل سيكون بمثابة إعلان حرب. قد تشكل تلك التوترات جبهة إقليمية قوية تتصدى للضغوط الدولية والإقليمية.
انقلاب النيجر قد يؤثر على علاقات البلاد مع الدول الغربية، وبخاصة فرنسا والولايات المتحدة. تمتد علاقات النيجر مع هذه الدول إلى مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب. تهديد مثل هذا الانقلاب يشكل تحديًا لجهود مكافحة الجماعات المسلحة وللنفوذ الإقليمي والدولي في المنطقة.
من المتوقع أن تتجه نحو تفاقم التوتر في العلاقات بين النيجر وشركائها الغربيين في الفترة القريبة نتيجة للإجراءات التي اتخذتها دول غربية، بقيادة فرنسا والولايات المتحدة، رفضًا للانقلاب العسكري. وعلى الرغم من عدم التعبير الاستراتيجي لقادة الانقلاب عن مواقف معادية للغرب، إلا أن زيادة الضغوط من جانب الدول الغربية قد تدفعهم نحو تقليل اعتمادهم على الدعم الغربي واستكشاف خيارات لتنويع العلاقات الدولية والإقليمية.
مع ذلك، تظل هناك فرصة لاستمرار التعاون بين النيجر وشركائها الغربيين نظرًا للعوامل التالية:
الدور في مواجهة التحديات الهجرة: تعتبر النيجر نقطة عبور رئيسية للهجرة من جنوب الصحراء الأفريقية إلى أوروبا، وهذا يجعل مراقبة الهجرة أمرًا حيويًا للاتحاد الأوروبي. تهدف الدول الأوروبية إلى الحفاظ على تعاونها مع النيجر للسيطرة على طرق الهجرة غير الشرعية.
أهمية الموارد الاقتصادية: تعتبر النيجر مصدرًا هامًا للمعادن الاستراتيجية مثل اليورانيوم والذهب. هذه الموارد تلعب دورًا كبيرًا في الاقتصاد العالمي، وتوفر فرصًا للتعاون الاقتصادي مع الشركاء الغربيين.
التواجد العسكري والأمني: يرغب الشركاء الغربيين، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا، في الحفاظ على تواجدهم العسكري والأمني في النيجر لمكافحة التهديدات المسلحة والجماعات الإرهابية في المنطقة.
الاستقرار الأمني: يحتاج قادة الانقلاب إلى الحفاظ على الاستقرار الأمني في البلاد، وهذا يشمل التعاون مع الشركاء الغربيين لمكافحة الجماعات المسلحة وضمان الأمن.
العلاقات الاقتصادية والتجارية: تسعى دول غربية إلى الاستفادة من الفرص التجارية والاقتصادية في النيجر، مما يجعلها تحتفظ بالاهتمام بالتعاون الاقتصادي.
التنافس الجيوسياسي: في ظل التنافس الإقليمي والدولي، تعمل القوى الإقليمية والدول الكبرى على الحفاظ على تواجدها وتأثيرها في النيجر والمنطقة.
استقرار الشرق الأوسط والصين: تواصل دول منطقة الشرق الأوسط مساهمتها الاقتصادية والأمنية في النيجر، والصين تسعى للحفاظ على مصالحها الاقتصادية في البلاد.
باختصار، على الرغم من التوتر المتوقع في العلاقات بين النيجر وشركائها الغربيين بسبب الانقلاب العسكري، إلا أن هناك مجموعة من العوامل التي تدفع إلى استمرار التعاون بين الجانبين في مجالات متعددة بما في ذلك الأمن، الاقتصاد، والتنمية.
صعوبات ومخاطر التدخل العسكري لقوى “إيكواس” في النيجر:
زعزعة الاستقرار: التدخل العسكري الخارجي يمكن أن يزيد من حدة الاضطرابات في البلاد والمنطقة بشكل عام. تصاعد العنف والصراع المسلح يمكن أن يؤدي إلى تفاقم المشاكل الأمنية والانقسامات السياسية.
فشل التدخل: التدخل العسكري قد لا يحقق النتائج المتوقعة، وهذا قد يؤدي إلى تفاقم الوضع وتصاعد العنف بدلاً من تحقيق الاستقرار. هذا الفشل يمكن أن يسفر عن تصاعد التوترات والصراعات في المنطقة.
صراعات إقليمية: التدخل العسكري قد يؤدي إلى تصاعد الصراعات الإقليمية والمناوشات بين الدول المجاورة. هذا يمكن أن يسفر عن تداعيات غير متوقعة وتفاقم الأوضاع الأمنية.
قدرات محدودة لـ “إيكواس”: دول منطقة “إيكواس” تعاني من قيود أمنية ومالية فيما يتعلق بالتدخل العسكري. عدم توافر قوة أمنية إقليمية مؤهلة يمكن أن يجعل من التدخل تحديًا كبيرًا.
تحديات داخلية: دول منطقة “إيكواس” تواجه تحديات أمنية داخلية متنوعة، مما يجعل توفير الموارد العسكرية للتدخل في النيجر أمرًا صعبًا.
تحفظات دول القوى الكبرى: قد تواجه جهود التدخل العسكري تحفظات من قبل دول كبرى مثل فرنسا والولايات المتحدة، وذلك بسبب تخوفها من تصاعد التوترات والصراعات بسبب التدخل.
دعم شعبي للقادة العسكريين: التدخل العسكري قد يؤدي إلى تعزيز دعم الشعب للقادة العسكريين، وهذا يمكن أن يؤدي إلى استمرار الحكم العسكري بدلاً من تحقيق الانتقال إلى الحكم المدني.
التدخل الخارجي القائم: وجود تدخلات خارجية متعددة من قبل دول كبرى مثل الولايات المتحدة، فرنسا، وروسيا يمكن أن يعقد التوصل إلى حلاً سلمياً ويزيد من التعقيدات.
الخلاصة:
بالرغم من الضغوط الدولية والإقليمية لتحقيق انتقال ديمقراطي في النيجر، يبدو أن تدخل “إيكواس” العسكري يحمل معه صعوبات ومخاطر كبيرة. عدم توافر القدرات الكافية والخوف من تصاعد الصراعات قد يجعل التدخل غير جدوى أو حتى مضرًا. بدلاً من ذلك، يمكن أن تسعى الدول الكبرى إلى العمل بطرق دبلوماسية للحفاظ على التعاون والأمن في المنطقة وتجنب التصاعد العسكري.