مقالات الرأي

تقييم أولي لإستراتيجية الحرب الروسية في أوكرانيا

1. مع الساعات الأولى لبدأ الهجوم الروسي على شرق أوكرانيا، بدأ واضحاً أن روسيا أرادت أن تطبق مبدأً جديداً للحرب، يختلف عن حروبها السابقة، سواءً حربها على جورجيا عام 2008، من خلال توظيف فرضيات الحرب الخاطفة ذات النتائج السريعة، أو غزوها لجزيرة القرم عام 2014، من خلال توظيف فرضيات الحرب اللامتماثلة ” حرب عصابات وحرب ألكترونية وبعض قواعد الحرب التقليدية”، أو حربها في سوريا عام 2015، من خلال توظيف فرضيات ما يعرف بحروب الحسم الجوي والتقدم البري.

2. إن نموذج الحرب الذي تطبقة روسيا حتى الآن في أوكرانيا، يقترب من النموذج الذي أعتمدته الولايات المتحدة في غزوها للعراق عام 2003، أي نموذج الحرب الشاملة، حرب تدمير شامل وخلق صدمة وترويع للعدو، وذلك يتضح من خلال إشراك ثالوث القوة الروسية “البرية والبحرية والجوية”، وتوظيف سلاحها الإستراتيجي “الصواريخ الباليستية الحاملة للرؤوس النووية” لخلق ردع نووي لأي خطوة تصعيدية يقدم عليها الناتو.

3. أما على مستوى مسرح العمليات فبدأ واضحاً أن هناك قراراً روسياً بإستخدام القوة العسكرية الغاشمة، وبالإطار الذي يجهض العدو من اللحظات الأولى، عبر الإستخدام الكثيف للقوة النارية وتدمير الدفاعات العسكرية وتدمير منظومات القيادة والسيطرة، وتدمير البنية التحتية العسكرية، فضلاً عن هجمات سيبرانية، ومحاولة عزل مناطق شرق أوكرانيا عن العاصمة كييف، إذ نفذت القوات الروسية أكثر من 30 غارة على البنية التحتية المدنية والعسكرية واستخدمت صواريخ كاليبر، مع الساعات الأولى لبدأ الهجوم.

4. يمثل وصول القوات الروسية إلى مدينة خاركيف شرق أوكرانيا، ثاني أكبر مدينة أوكرانية بعد العاصمة، ونشر أفراد الشرطة العسكرية الروسية فيها، وإقامة نقاط تفتيش، إلى جانب تمكين القوات الإنفصالية في المناطق والبلدات الأخرى، فضلاً عن احتلال دونيتسك ولوغانسك بالكامل والتوسع غرباً، أن العاصمة كييف أصبحت على بعد 24 ساعة من السقوط، خصوصاً وإنها تحت مرمى الصواريخ والهجوم الجوي الآن، فيما لو تم إستمرار سيناريو التقدم الروسي على ذات الوتيرة.

5. إن الخطر الأكبر يتمثل فيما إذا سمحت بيلاروسيا لروسيا بالهجوم من أراضيها، فيمكن الاقتراب من العاصمة الأوكرانية كييف من الغرب وتطويقها. وتتواجد قوات روسية بالفعل على الأراضي البيلاروسية بعد أن أجرى البلدان تدريبات عسكرية مشتركة خلال الأسابيع الماضية، كما تنشر روسيا على عدة نقاط حدودية بين أوكرانيا وبيلاروسيا أنظمة صاروخية دفاعية.

6. إلى جانب الهدف المادي الذي تحاول روسيا تحقيقه من هذه الحرب، فإنها تحاول أيضاً تحقيق هدف معنوي لا يقل أهمية، ويتمثل بإظهار ضعف الولايات المتحدة والناتو في الدفاع عن مواقفهم وحلفائهم، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وأوربا لوحت بعقوبات أقتصادية ساحقة ضد موسكو، إلا إن بوتين يبدو أنه متفطن لهذا الخيار جيداً، وذلك عبر تحويل عملية التدوال المالي الروسي إلى العملة الألكترونية “البيتكوين” منذ أسابيع مضت، وهو ما سيقلل من أثر هذه العقوبات، رغم الإقرار بتأثيراتها على الإقتصاد الروسي.

7. يبدو أنه ليس بوارد أن يقوم بوتين بإحتلال العاصمة كييف حتى اللحظة، وإنما يحاول أن يستثمر بحالة التشتت الحاصلة في الداخل الأوكراني، وتمسك زيلينسكي بالسلطة، عبر توفير فرصة لخلق تمرد عسكري يطيح بالنظام السياسي، أو أن يدفع الإنفصاليين والقوى الرافضة لتوجهات زيلينسكي تنفيذ عملية إنقلاب داخلي على النظام.

8. كما أن الخيار الآخر الذي يراهن عليه بوتين الآن؛ هو أن يحصل على تسوية جديدة من قبل الغرب، أحد أبرز أوجهها، أن تتحول أوكرانيا إلى دولة فيدرالية، تمنح الأقاليم فيها “فيتو” لا يقل أهمية عن الفيتو الذي تتمتع به العاصمة كييف، في تقرير توجهات أوكرانيا الخارجية مستقبلا.

9. بوتين بالنهاية هو رجل محكوم بفوبيا التاريخ والجغرافيا، ويدرك جيداً أن أوكرانيا العضو بحالف الناتو، تعني أنها ستكون سكين مغروزة في خاصرة حلمه بالتحول نحو العالمية، ومن ثم فهو ينظر لأوكرانيا من ثلاث زوايا، أوكرانيا الحليفة أو أوكرانيا المحايدة (وهو السيناريو الأقرب بناء على تصريح المتحدث باسم الكريملن ديمتري بيسكوف عندما قال ” موسكو تهدف إلى فرض وضع محايد في أوكرانيا ونزع سلاحها)، أو لا أوكرانيا على الخارطة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: