كيف سيبدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا؟ هذه السيناريوهات المتوقعة
هل نشهد نزاعا واسع النطاق في حال الاعتداء الروسي على أوكرانيا بدرجة لم نشهدها منذ حرب العراق عام 2003 ؟
الحقائق على الأرض قد تشير لذلك، فهناك 127 ألف جندي روسي بالقرب من الحدود الأوكرانية وفق ما تقول استخبارات كييف، وهذه التعبئة ترجع إلى تدريبات مشتركة تقوم بها موسكو مع بيلاروسيا. لكن القيادة الروسية تتمتع بأفضلية عسكرية تسمح لها بالهجوم على أوكرانيا دون سابق إنذار، من الشرق والشمال والجنوب لتحقيق هدفها بالاستيلاء على العاصمة كييف.
فكيف يمكن أن يبدو شكل الهجوم الروسي
للأمن في روسيا مكانة تفوق كل الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية، لدرجة أن هذه المصالح الأمنية تتداخل أحياناً مع الشؤون السياسية لجيرانها، أوكرانيا مثال على ذلك، لذا لايمكن للكرملين أن يتساهل مع وجود جيران تحكمهم الديمقراطية لاعتبارات كثيرة أبرزها:
• الدولة الديمقراطية الموجودة على حدودها ستبدأ لا محالة في التطلع إلى الغرب لتعزيز شرعيتها وقيمها الليبرالية
• ستسعى لتُوفِّق أهدافها مع مؤسساتٍ مثل الاتحاد الأوروبي، وحلف الناتو
عوامل إلحاح الأزمة الأوكرانية
لأن ثورة 2014 جلبت حكماً ديمقراطياً في كييف، تعيش أوكرانيا الآن في المرحلة الأخيرة من إعادة الاصطفاف الجيوسياسي، بتطلعها إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي، وحلف الناتو. وهنا تبرز الأزمة.
جغرافياً
في حال قررت أوكرانيا الانضمام إلى الناتو، ستضطر روسيا لزيادة إنفاقها العسكري، وزيادة حجم جيشها لتأمين جناحها الغربي. ويرجع ذلك إلى التضاريس الأوكرانية المسطحة، التي تتداخل بسلاسةٍ مع الأراضي الروسية، ولا توجد أي معالم جغرافية تفصل الحدود الدولية.
سياسياً
يبعد ساحل أوكرانيا على البحر الأسود مسافة 750 كيلومتراً تقريباً عن بحر قزوين، وبالتالي فإنّ أي جيشٍ مدرب يمكنه قطع تلك المسافة في يومٍ أو يومين، مما قد يتسبب في إنشاء جسرٍ أرضي يفصل أراضي روسيا الأم عن منطقة شمال القوقاز، ويؤدي بالتبعية إلى شلّ الدولة الروسية.
التوقيت
تشتري كييف الأسلحة من الشرق والغرب حالياً.
تمتلك أوكرانيا مخزوناً متزايداً من الصواريخ المضادة للدبابات، التي زودتها بها الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة.
أنشأت أوكرانيا كذلك مقرات مرخصة لإنتاج الطائرات المسيّرة القتالية التركية، التي أثبتت فاعليتها المميتة في مواجهة الأسلحة الروسية.
تسعى أوكرانيا لتطوير برنامج صواريخها الخاص، والذي سيكون قادراً على تهديد الأراضي الروسية، بنفس الطريقة التي تهدد بها روسيا الأراضي الأوكرانية.
بعد خمس أو عشر سنوات من الآن، سيؤدي انتشار الأسلحة الاستراتيجية إلى جعل مهمة غزو أوكرانيا مكلفةً للغاية، إذ ستتحسن جاهزية أوكرانيا للدفاع عن نفسها تدريجياً، وستمتلك الأسلحة اللازمة لضرب الأراضي الروسية.
وإذا طال انتظار روسيا وأجّلت الغزو أطول من ذلك، فسوف تزداد بالتبعية قوة أوكرانيا، وتكلفة خطط المعارك الروسية. ورغم سوداوية الأمر، يظل من الأفضل لهم التحرك سريعاً، بدلاً من التردد حتى ينقضي وقت التحرك.
الاستراتيجيات المتوقعة للهجوم الروسي
لخص مسؤولون في الناتو لصحيفة Build الألمانية، الخطة الروسية المتوقعة للهجوم على أوكرانيا على ثلاثة مراحل منفصلة، تتيح في كل منها نافذةً لتقديم التنازلات الديبلوماسية.
المرحلة الأولى
◦ من المرجح أن تركز المرحلة الأولى على جنوب أوكرانيا، حيث ستتقدم القوات والدبابات الروسية القادمة من القرم على خط الساحل لتطويق مدينة أوديسا.
◦ ستقطع عملية الإنزال البرمائي الروسية اتصال أوكرانيا بالبحر الأسود، مع تعزيز خطوط الإمداد التي تصل إلى القرم.
◦ سيكون هدف موسكو هنا، إيصال قواتهم لشمال مدينة أوديسا، ثم التقدم شمالاً حتى تصل إلى ترانسنيستريا، وهي منطقةٌ انفصالية مدعومة من روسيا، ولكنها تتبع قانونياً دولة مولودوفا.
◦ ستتسلل القوات الخاصة الروسية إلى الجزء الجنوبي من نهر دنيبر، وستكون مهمة هذه القوات تعطيل الإمدادات اللوجستية الأوكرانية التي تمر عبر النهر.
◦ ستنسق قوات المدفعية الروسية الضخمة في القرم هجماتها مع القوات الخاصة الموجودة على الأرض، مما سيؤدي إلى تقييد القوات الأوكرانية بالتبعية.
◦ من الشرق، وتحديداً في دونباس، ستسيطر القوات الروسية المدعومة بسلاح الجو على جزءٍ من شرق أوكرانيا، قبل أن تستولي على مدن دنيبرو وزاباروجيا المجاورة لنهر دنيبر.
◦ سيصبح بإمكان الروس التقدم باتجاه القرم وإقامة جسرٍ أرضيٍ متصل، يمتد من منطقة دونباس وحتى ترانسنيستريا.
بمجرد أن يصبح جنوب أوكرانيا خاضعاً للسيطرة الروسية، سيبدأ الكرملين في إملاء شروطه للاستسلام السياسي. أما في حال عدم الرضوخ لشروطه؛ ستبدأ المرحلة الثانية.
المرحلة الثانية
◦ ستتقدم المشاة الميكانيكية الروسية من الشمال الشرقي لتطويق ثاني أكبر مدن أوكرانيا “خاركيف”.
◦ سيتقدم الجيش الروسي بدعمٍ من القوات الجوية صوب بولتوفا، قبل أن يضع مرساته قرب نهر دنيبر.
◦ سيجري تطويق مدن خاركيف وبولتوفا، مع قطع إمدادات الغاز والكهرباء والطعام، ومن المرجح أن تستسلم تلك المدن بعد أسابيع قليلة من الحصار.
◦ ستكون روسيا قد سيطرت على غالبية أراضي أوكرانيا الواقعة شرق نهر دنيبر.
حينها ستنطلق الجولة الثانية من المفاوضات، وفي حال فشلت هذه الجولة أيضاً، سوف تشرع روسيا في المرحلة الثالثة من خطتها.
المرحلة الثالثة
◦ ستسعى روسيا إلى الاستيلاء على جزءٍ من غرب أوكرانيا، لكن اجتياز نهر دنيبر قد لا يكون سهلاً، حيث إن أكثر الطرق أماناً لاجتياز النهر عن طريق الانتقال من بيلاروسيا إلى غرب أوكرانيا مباشرةً، دون عبور النهر.
◦ ستتقدم القوات الروسية من بيلاروسيا إلى غرب أوكرانيا مباشرةً، لكنها ستضطر إلى الالتفاف حول منطقة إشعاع تشيرنوبل، ثم الاستيلاء على مدينة كورستين أولاً.
◦ ستتقدم فرقةٌ روسية ثانية من روسيا باتجاه ما تبقى من شمال شرق أوكرانيا.
◦ في تكتيك كماشةٍ مثالي بعدها، ستتقدم الفرقتين الشماليتين في وقتٍ واحد باتجاه كييف، وحينها ستتعرض العاصمة الأوكرانية للحصار من الشرق ومن الغرب، على حدٍ سواء.
ولأن كييف تعتبر موقعاً حضرياً ضخماً، فمن المرجح أن ينتظر الروس في الخارج، حتى يجبروا الحكومة الأوكرانية على الاستسلام، وبنهاية المرحلة الثالثة، سنجد أن قرابة ثلثي الأراضي الأوكرانية قد أصبحت تحت السيطرة الروسية، لكن أوكرانيا ليست صيداً سهلاً.
العتاد العسكري للدولتين
أوكرانيا
• تمتلك جيشاً قوامه 145 ألف جندي، مع نحو 300 ألف من قدامى المحاربين الجاهزين للقتال.
• تعكف أوكرانيا على تخزين الأسلحة والذخيرة منذ سنوات، وهذا يشمل بعض الأسلحة عالية التقنية من الخارج.
لكن ترسانتها ليست حتى الآن كبيرةً بما يكفي لإحداث الفارق في أرض المعركة.
روسيا
• تمتلك أنظمة مدفعية، وصواريخ عالية القدرة.
• قوتها الجوية ضخمة، وتمتلك أكبر أسطول دبابات في العالم
• تتميز الأسلحة الروسية بالقدرة على تدمير وحدات الجيش الأوكراني عن بُعد.
ورغم أن التداعيات ستكون كارثية على أوكرانيا من حيث الضحايا ونزوح الآلاف، لكن التحدي الحقيقي لروسيا سيكمن في حالة التمرد الناتجة عن الغزو.
ففي استطلاعٍ لمؤسسة Kiev International Institute of Sociology؛ سنجد أن ثلث مواطني أوكرانيا قد أعربوا عن استعدادهم للمشاركة في المقاومة المسلحة. وهذا يعني أن روسيا تحتاج إلى 325 ألف جندي على الأرض على الأقل، حتى تتمكن من احتلال الأراضي الأوكرانية، واحتواء حالة التمرد في الوقت ذاته. ومن الصعب توفير قوةٍ بهذا الحجم. مما يُشير ضمنياً إلى أن روسيا تريد تحقيق انتصارٍ حاسم وسريع، وليس احتلالاً مطوَّلاً