تحذير من أزمة مالية للعراق جراء تخفيض روسيا أسعار نفطها للهند والصين
بغداد– يعتمد العراق بأكثر من 95% في إيراداته المالية على بيع النفط الخام في الأسواق العالمية لبناء الموازنة العامة سنويا، في حين يتمتع بموارد طبيعية أخرى تغنيه عن الريعية النفطية في حال وضعت لها خطط نُفذت بإرادة وطنية.
ولهذا فإن الاقتصاد العراقي يتأثر مباشرة بارتدادات أي أزمة عالمية؛ مثلما حدث في أزمتي الاقتصاد العالمي عامي 2008 و2020، إذ عانى الاقتصاد الوطني قلة السيولة النقدية لدفع رواتب موظفي القطاع العام، والوفاء بالالتزامات الاجتماعية، وتسديد الديون الداخلية والخارجية للبلاد.
وفي الوقت نفسه، تبلغ احتياطات العراق النفطية المثبتة 153 مليار برميل، في حين تشير توقعات حكومية لإمكانية بلوغها 500 مليار برميل خلال السنوات المقبلة مع الاستكشافات الجديدة.
في حين يبلغ حجم الإنتاج النفطي للعراق حاليا أكثر من 4 ملايين برميل يوميا حسب محددات “أوبك بلس” (+Opec)، وتبلغ طاقته التصديرية أكثر من 3 ملايين برميل يوميا.
قرار التخفيض
ومع استمرار الأزمة الأوكرانية وبدء العقوبات الغربية على روسيا، وخصوصا في مجال الطاقة والنفط، قررت موسكو مؤخرا تخفيض سعر نفطها المُباع إلى حلفائها الهند والصين بنسبة 20% ليكون جاذبا للمشترين.
ويتحدث الأكاديمي في مجال النفط والغاز، الدكتور بلال الخليفة، عن أهمية العراق بوصفه أكبر مورد للنفط للهند بمعدل 1.3 مليون برميل يوميا، في حين يبلغ معدل استيراد الصين يوميا من النفط العراقي مليون برميل.
وقال الخليفة -للجزيرة نت- إن الصين والهند قامتا بالتقليل من الاستيراد النفطي من “أوبك بلس” والاتجاه نحو الأسواق الأفريقية والأميركية لتعويض النقص، نتيجة ارتفاع أسعار أوبك لأكثر من دولار واحد مقارنة بالأسواق الأخرى.
ورغم قرار روسيا، فإن العراق حتى مارس/آذار الماضي احتل مركزا متقدما؛ إذ زود الهند بأكثر من ثلث احتياجاتها من النفط الخام، بنسبة 23% تليها السعودية بنسبة 18% والإمارات بنسبة 11%، وفقًا لخليفة الذي كشف أيضا عن تزويد العراق للصين بنحو 384 ألف برميل خلال عام 2021.
ولتفادي أي نقص بالإمدادات النفطية العراقية للأسواق الهندية والصينية، يقترح خليفة تحرك بغداد باتجاهين، الأول البحث عن مورد جديد لسد نقص توريد النفط للهند والصين، والثاني بتقديم مغريات وعوامل جذب للهند والصين -كالتعامل بالروبية الهندية واليوان الصيني- رغم خطورتها التي تحمل تبعات سياسية.
العجز الحاد
وبالموازاة مع ذلك، يحذر خبراء من أضرار قريبة تُصيب الاقتصاد العراقي بالشلل جراء التعامل النفطي الروسي مع الهند والصين.
ويشخص الخبير الاقتصادي الدكتور علي دعدوش -للجزيرة نت- تلك الأضرار التي تتمثل في عجز مالي حاد في الموازنة العامة بشكل غير مسبوق يؤدي إلى زيادة معدلات التضخم لحد كبير، مما يضطر الدولة العراقية إلى ضخ المزيد من الأموال في الاقتصاد لتحقيق التوازن بين الإيرادات والنفقات العامة، مما يخلق أموالا في المجتمع من دون غطاء إنتاجي الذي يؤدي في النهاية إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية.
ويرى دعدوش ضرورة أن توجه وزارة النفط حصة الهند أو نصف الحصة (حسب الطاقة الاستيعابية لمصافي التكرير في العراق) إلى تكرير النفط لأهميته في خفض استيراد الوقود من الخارج وتقليل مخصصات الوقود في الموازنة بما يقلل العجز الحاصل فيها.
الانفتاح العراقي
بدورها، تؤكد وزارة النفط العراقية انفتاحها على جميع الأسواق النفطية العالمية وتعتمد سياقات رصينة ثابتة في التعامل مع الشركات المعروفة، ولا تعاني مشكلة من ذلك في الوقت الحالي.
وقال المتحدث باسم الوزارة عاصم جهاد -للجزيرة نت- إن العراق أحد المنتجين الرئيسيين في “أوبك بلس” وملتزم بالاتفاق النفطي بتقييد الإنتاج وبإستراتيجية المنظمة”، مشيرا إلى أن هناك زيادة في الأسعار محسوبة ضمن فترات زمنية، مع مراقبة دقيقة لتطورات السوق النفطية ويتم التعامل مع المتغيرات وفق ما يؤدي إلى التوازن .
ولفت جهاد إلى أن مصلحة جميع المنتجين في أوبك الالتزام بالاتفاق، حفاظا على توازن الأسواق العالمية، خاصة أن المؤشرات تشير إلى زيادة في الطلب وارتفاع في الأسعار.
المرض الهولندي
ويُعرف المرض الهولندي في علم الاقتصاد بأنه العلاقة الظاهرة بين ازدهار التنمية الاقتصادية بسبب وفرة الموارد الطبيعية وانخفاض قطاع الصناعات التحويلية.
وجاءت هذه التسمية في نهاية خمسينيات القرن الماضي عندما تحول اقتصاد هولندا من التوازن بين القطاعات الاقتصادية -مثل الزراعة والصناعة وغيرها من القطاعات الحيوية- إلى الاقتصاد الريعي بعد اكتشاف كميات كبيرة من الغاز والنفط على ساحل بحر الشمال الذي كان بمثابة نقطة تحول في الاقتصاد الهولندي الذي ازدهر لنحو 15 عاما فقط ليعاني بعدها بطالة مرتفعة وعجزا ماليا، نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج النفطي والغازي.
وحسب الخبيرة الاقتصادية الدكتورة سلام سميسم، فإن الاقتصاد العراقي استحق -منذ فترة زمنية طويلة- معالجته من المرض الهولندي الذي ازداد خلال الأعوام العشرين الماضية.
ولمعالجة هذا المرض، ترى سميسم -في حديث للجزيرة نت- ضرورة هيكلة الاقتصاد العراقي عن طريق الاعتماد على القطاعات الأخرى التي يتمتع بها العراق وتقويتها فضلا عن توجيه الفوائض النفطية الحالية المؤقتة للاستفادة منها في الجانب الاستثماري أكثر من التشغيلي داخل الموازنة العامة.
وأضافت سميسم أن العراق بحاجة لنهضة اقتصادية جادة مدعومة بإرادة سياسية حقيقية إضافة إلى تفعيل القوانين للتخلص من المرض الهولندي وإلا الذهاب نحو الانهيار التام للاقتصاد.