الإنسانوية ..النسخة الجديدة لحروب الأديان والقيم
لم تكتفِ الإنسانوية الجديدة بعناوين ردّ الحرّية للإنسان وإعلاء القيمة الإنسانية (وهو ما نتفق معها عليه) لكنّها تابعت نحو محاولة تحريره أيضاً من أي نظام أخلاقي أو قيمي خارج عن نوازعه ورغباته …
التيّارات الفكرية الإنسانوية الجديدة التي تنتشر اليوم بين الشباب العربي تبدو آثارها واضحة في خطاباتهم التي تقدّس الإنسان بصورة تكاد ترفعه لمصاف الإله وتسبغ عليه حرية منفلتة من كل القيم والضوابط وقبلهما من تعاليم الأديان. وعند كل خطاب أخلاقي توعوي أو توجيهي يحاول كبح جماح شططها وانطلاقها تتم الإحالة إلى حرّية الإنسان ولزوم احترامها و المحاججة بها وتوجيه التهم الغزيرة للناصحين والموجهين بالتسلط والاستبداد والرغبة باستبدال مستبد وطني بآخر ديني أو كهنوتي لكون الإنسانوية والإنسانويون يريدون أن يصبح الحكم الأخلاقي في أي مسألة هو قرار الإنسان نفسه … فإن أراد فعل الشيء كان مقبولا ً… وإن رفضه كان مذموماً و دون الرجوع لأي مرجعية أخلاقية خارجية..
أي أنّ الحركات الإنسانوية لم تكتفِ بطلب حرّية الإنسان التي ضمنها له الإسلام مثلاً مع إلزامه وجدانياً بنظام أخلاقي دنيوي وعواقب أخروية..
بل هي تسعى لتحريره من سلطة العقل و العرف والمجتمع ومن سلطة أي نظام أخلاقي أو دين .. أي أنّه لا وجود لمفهوم (الله) هنا إلا في أضيق الحدود وضمن بعض الممارسات المحدودة والمقصورة زمانياً (كرمضان وصلاة الجمعة للمسلم ويومي السبت والأحد لغير المسلم) ومكانياً (كالمسجد والكنيسة) … الإنسان هنا هو ربّ نفسه… وهو من يحلّل ويحرّم لنفسه وعلى نفسه ما شاء…
باختصار : فكر “إلهه هواه” الذي ينتشر الآن وبقوّة ستكون له عواقب وخيمة على الإنسان والمجتمع، فالمحاججة بالحرية والقيم الإنسانية تستطيع أن تراها بوضوح تقف خلف أي نقاش اجتماعي يدور اليوم من حولك أيّاً كان موضوعه.
العقبة الأكبر أمام الوصول لحلول وسط مع هذه الشريحة هي صعوبة الحوار معهم .. لأنهم لا يستندون إلى أي منطق أو مصدر ثابت يمكن أن تحيلهم إليه سوى نزواتهم المغلفة بعبارة (الحرية الشخصية) فالمعركة محسومة سلفاً.. وقد أشار الله سبحانه لهذا النقطة فقال : {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه، أفأنت تكون عليه وكيلاً } .
بقلم الباحث والناشط السياسي
ساجد تركماني