مقالات الرأي

استحداث المصطلحات السياسية

أن الحديث عن المفاهيم والمصطلحات والعمل على ابتكارها لهو أمر ضروري في مساعدة الباحثين والاكاديميين في البحث العلمي ، ولاعطاء الوصف للاشياء من منظار جديد وفكر جديد ، والعمل على صياغة افكار جديدة أزاها . ففي الكثير من الاحيان يحمل المصطلح السياسي الجديد العديد من الدلالات والمضامين ما يفوق حدود المعنى الذي صيغ من اجله .

أن عملية الكتابة والبحث والخوض في تفاصيل موضوع صناعة المصطلحات السياسية يتطلب بالتأكيد قراءة وعرض تقديمي حول مفهوم المصطلح والمصطلح السياسي من حيث الأطر النظرية والخصائص والشروط الذاتية من أجل اعطاء رؤية متكاملة حول الموضوع .

مفهوم المصطلح

تكاد تتفق المعاجم العربية على البعد اللغوي لمعنى المصطلح ، والذي يدل على (الاتفاق على معروف) ، أو أتفاق قوم على اطلاق تسمية لشيء بأسم ما لفهمه بصورة أفضل . فالمصطلح هو ما اصطلح عليه ذوي الاختصاص للأخذ به كدلالة على تأدية المعنى المقصود . وتشير المنظمة الدولية للتقييس (إيزو) إلى أن معنى المصطلح هو أي رمز يتفق عليه للدلالة على مفهوم ، ويتكون من اصوات مترابطة ، وقد يكون المصطلح كلمة أو عبارة .

أن الاصطلاح والمصطلحات على العموم لم تأتي من فراغ ، إذ أن لها ادوار ومهام تؤديها ، ومن هذه الادوار :

تساهم المصطلحات في البناء المعرفي في كل حقوق المعرفة الفكرية(السياسية أنموذجاً) . فأفتقار المعارف والعلوم للمصطلحات سيكون بمثابة قلق معرفي في العمل البحثي .
أن العلوم بأنواعها المتعددة لا يمكن أن تستغني عن المصطلحات ، فالباحث أن لم نقل الإنسان العادي لا يستطيع أن يتواصل مع منطق العلوم من دون استخدام الالفاظ الاصطلاحية .
أن المصطلحات في الاساس هي مداخل العلوم وبواباتها ، ويعد فهمها ركناً اساسياً في العلم ، والافتقار إلى المصطلحات في وصف الاشياء يعني أن المعرفة ستكون ناقصة .
تنبع اهمية المصطلحات بأنها أداة اساسية من ادوات البحث العلمي لفهم المعنى وادراك المبنى .
أن عملية صناعة المصطلحات ليس بالسهولة بمكان بل يجب أن يتوفر فيه جملة من الشروط اهمها الدقة في الدلالة والمضمون ، الاختصار ، الوضوح ، القدرة على وصف الظاهرة ، العلمية ، شرط الاتفاق على المصطلح لغة وتطبيقاً ، قدرته على اعطاء صورة ذهنية لظاهرة أو حدث ما . وللمصطلحات اصناف واشكال متعددة منها ما هو علمي ، ومنها ما هو اجتماعي وحضاري ، ومنها ما هو تفني ، لكن الذي يهمنا هنا هو المصطلح السياسي والجهات الصانعة له .

أهمية المصطلح السياسي

على الرغم من حداثة ظهور ما يسمى بعلم المصطلحات السياسية والذي يرجعها البعض إلى بدايات القرن العشرين ، إلاَ أن الممارسة الاصطلاحية الفعلية له قديمة قدم السياسة نفسها ، إذ يرجعها البعض الآخر إلى ظهور الإنسان القديم الذي استخدم اللغة كأداة للتواصل .

أن المصطلح السياسي عنصر مهم في اللغة السياسية ، إذ أن له القدرة في التعبير على دلالات دقيقة غير ملتبسة لمعطيات العلم ، وخاصة أن تلك المعطيات التي لا تكون لها اسماء مطلقة في لغة الحياة اليومية . ومن هنا تنطلق أهمية المصطلحات السياسية من خلال قدرتها على :-

مساعدة الباحثين في مجال العلوم السياسية على ايجاد ضالتهم في توصيف الظواهر السياسية بسهولة ويسر.
مساعدة الباحثين في العلوم السياسية على ادراك الظواهر السياسية بدقة ، من خلال قدرتها على صياغة الفهم الصحيح والمعبر للحالة أو الظاهرة السياسية الجديدة ووصف المقصود منها .
أن للمصطلح السياسي القدرة على اختصار المسافة في الفهم وادراك المعنى الذي يغني عن الكثير من الشرح والتفسير .
قدرة المصطلح السياسي في التأثير على وضع الرأي العام .
تمكين الباحثين من تنظيم المواد العلمية وتصنيفها حسب تطور العلم .
يمتاز المصطلح السياسي بالانتظام والنضج واكتسابه لصفة العالمية ، فمجرد ابتكار المصطلح السياسي واستخدامه سيكسبة تلك الصفة .

الجهات الصانعة للمصطلح السياسي

الباحثين الاكاديميين وأساتذة الجامعات
قدمت لنا المعاجم والقواميس الخاصة بالمصطلحات السياسية عدد كبير من الاصطلاحات السياسية التي ابتكرها وقدمها لنا الاساتذة الجامعيين والباحثين المتخصصين في المجالات السياسية ، وهنا نستعرض أهم تلك المصطلحات من باب الأمثلة لا الاطلاق :-

القوة الناعمة

يعد جوزيف ناي من أبرز الباحثين في الوسط الاكاديمي الامريكي ، إذ صاغ لنا هذا الاصطلاح لوصف القدرة والضم دون الاكراه أو استخدام القوة كوسيلة للاقناع ، إذ صاغ هذا المصطلح وطوره كوسيلة ضغط في السياسة الامريكية اتجاه القضايا الدولية ، حيث لاقى هذا المصطلح رواجاً واستخداماً على نطاق واسع في الشؤون الدولية والبحثية من قبل المحللين والسياسيين .

صدام الحضارات

لا يختلف صموئيل هنتنغتون عن ماسبقه من حيث المكانة والاهمية في الوسطة الاكاديمي والجامعي في الولايات المتحدة الامريكية ، إذ قدم لنا هذا المصطلح الذي يعد من أكثر المصطلحات أثارة للجدل في الميدان البحثي والذي كتب حوله العديد من الملاحظات والدراسات ، وظهر لأجله العديد من المصطلحات السياسية الجديدة كرد فعل عليه ، إذ قدم لنا هنتنعتون هذا المصطلح لوصف الصراعات بعد الحرب الباردة بأنها صراعات حضارية لا ايديولوجية ، وسببها الاختلاف الحضاري والثقافي والديني بين الحضارات الكبرى في العالم ، ولا يزال هذا المصطلح مقياساً لدراسة كيفية التقاطع بين الشؤون العسكرية مع المجال السياسي .

كبار رجال الدولة

قدم لنا رجال الدولة من وزراء ورؤساء ومستشارين عدد مهم من المصطلحات السياسية بحكم التخصص الوظيفي في المجال السياسي ، ومن اهم تلك المصطلحات :-

النظام العالمي الجديد

النظام العالمي أو النظام الدولي الجديد مصطلح سياسي استخدم بشكل كبير وواسع نهاية الثمانينيات من القرن الماضي وبداية التسعينييات ، وأول من استخدم هذا المصطلح (كرنفينك كلارك) المستشار السياسي لعدد من وزراء الخارجية الامريكية في ثلاثينييات واربعينييات القرن الماضي ، وأول استخدام سياسي لهُ كان من قبل (غورباتشوف) سنة (1989م) وبوش (1990م) والأمم المتحدة (1991م) ، وهو مصطلح استخدم لوصف حالة التغيير في ميزان القوة بعد انتهاء الحرب الباردة لصالح الولايات المتحدة الامريكية والذي مهد لظهور مصطلح نظام القطبية الاحادي .

ومن أشهر المصطلحات السياسية التي قدمها لنا رجال الدولة في حقل الاصطلاح السياسي مصطلح (التلطيف السياسي) الذي قدمهُ (هتلر) في اشارة منه لوضع حل نهائي للخلاص من اليهود على حد تعبيره . كما قدم لنا (جيمس ولسون) أحد مؤسسي الولايات المتحدة الامريكية مصطلح (اللائق سياسياً) وهو مصطلح ظهر في القرن (18) للإشارة إلى صياغة الدستور الامريكي .

مراكز الابحاث والدراسات

بحكم التخصص العام والدقيق في المجال السياسي قدمت لنا مراكز الابحاث والدراسات مقداراً ضخماً من المصطلحات السياسية ، وتعد مراكز التفكير والابحاث الامريكية أبرز مبتكري تلك المصطلحات ، فعلى سبيل المثال ابتكرت مراكز الابحاث الامريكية البراغماتية العديد من المصطلحات السياسية منها (fragegration) للدلالة على التشرذم السياسي ، ومصطلح (intergration) وتعني الاندماجية السياسية ، وهي أول من روج لمصطلح (creative chaos) أي الفوضى الخلاقة لوصف تبرير الحروب والنزاعات الشرق اوسطية وفق مخطط شرق أوسط جديد . كما قدمت مراكز الابحاث مصطلح (governance) لاسعاف مساعيهم لاقامة هيئة عالمية غير حكومية تدير العالم وفق رغباتهم .

وسائل الاعلام

يعد الاعلام بانواعه المتعددة ظاهرة اتصالية تستهدف ايصال المعلومة والفكرة إلى الجمهور ، إلاَ أن هذه المهمة تحتاج إلى ادوات ذكية تختصر المسافات وتؤدي المهمة باسرع وقت ، والمصطلحات هنا وتحديداً السياسية منها احدى الوسائل الهامة التي تلجأ اليها وسائل الاعلام لتسويق افكارها من جهة أو تحجيم ظاهرة أو حدث سياسي ضمن أطار هذا المصطلح واختصاره فيها . وعادة ما تتأثر القنوات الاعلامية بالبعد الايديولوجي والسياسي للقائمين عليها في صياغة والتعامل مع المصطلحات السياسية ، وهذا ما نجدهُ سائداً اليوم على الساحة العراقية والعربية عموماً ، فتارة نجد وسائل الاعلام تتعامل مع وصف الحدث الإرهابي تحث مسمى (داعش) وهو تعبير دقيق إلى حد بعيد ، في المقابل نجد وسائل اعلام اخرى تستخدم مصطلح (تنظيم الدولة الاسلامية) في وصف الحالة ذاتها . وهنا نجد ان المتابع لتلك الوسائل قد بلغ من الدرجة والوعي لمعرفة حقيقة وابعاد استخدام تلك المصطلحات والاهداف السياسية الواضحة من ورائها .

الفلاسفة والمفكرين

كي نكون واقعيين في الطرح تدين العلوم السياسية قي الكثير من مصطلحاتها ومفاهيمها ونظريتها إلى الفلاسفة والمفكريين اليونانيين القدماء ، فهؤلاء الفلاسفة مثل سقراط وافلاطون وارسطو قد وضعوا اسس وقواعد علم السياسة تارة والاصطلاح السياسي تارة اخرى ، إذ قدم هؤلاء الفلسفة لحقل العلوم السياسية كم هائل وعظيم من المصطلحات السياسية لا تزال متداولة حتى الأن ، حتى اطلق عليهم تسمية ثالوث الاصطلاح العظيم . كما لا يمكننا أن ننكر دور الفلاسفة العرب والمسلمين في ابتكار المصطلحات السياسية الهامة التي لا زالت متداولة في المجال السياسي وتحديداً في مجال الفكر والتحليل السياسي وفي مقدمته الفارابي وإبن خلدون وغيرهم الكثير ، وقائمة المصطلحات السياسية التي ابتكروها كبيرة ولا يسعنا ذكرها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: