تسلسل زمني لاحتجاجات السوريين عبر قرن
الإيمان العميق لدى السوريين بممارسة السياسة وحق التعبير والنقد وقيام الحريات كان مصدر إلهام للشرق الأوسط، فكانت سوريا مضرب المثل بدستورها الراقي عام 1950 وتداول السلطة والديمقراطية والانتخابات وممارسة الاحتجاجات والثورات المطالبة بالتغيير:
ومن أيام الحكم العثماني لسوريا ليومنا هذا شهدت البلاد احتجاجات متعددة وقيام ثورات ضد بعض السلاطين والقادة العسكريين المستبدين
في عام 1831 انتفض السوريون في دمشق ضد والي الشام سليم باشا بقلعة دمشق لأنه فرض ضرائب جديدة على المواطنين
واجتمع تجار سوق الجابية وسط دمشق بعد أن أضربوا وأغلقوا محلاتهم التجارية لرفضهم الضرائب الجديدة
ايضا في عام 1834 في عهد حكومة محمد علي باشا عانى السوريون من التجنيد الإجباري وارتفاع الضرائب واحتكار تجارة الحرير الأمر الذي دعى للخروج بالمظاهرات
بالانتقال لما بعد الحكم العثماني للبلاد وبعد محاولة استقلال السوريين بوطنهم خلال فترة الاحتلال الفرنسي عام 1936
اشتهر أكبر إضراب بتاريخ سوريا الحديث وهو الإضراب الستيني والذي دعت اليه الكتلة الوطنية لمقارعة الانتداب الفرنسي لسوريا ونيل استقلالها وردا على اعتقال الفرنسيين لفخري البارودي أحد رموز الكتلة الوطنية بدمشق ولرفع الفرنسيين من سعر تذكرة ركوب الترام واي الكهربائي بدمشق لنصف قرش سوري
واجتاحت المظاهرات المدن السورية وتحولت لاضراب أطلق عليه الإضراب الستيني ،
شارك به طلاب الجامعات السورية والسياسيون والأطباء والموظفون والفلاحون والعمال والنساء بل كان للنساء دور كبير بالمظاهرات وليس كما رسمت لنا مسلسلات باب الحارة وليالي الصالحية عن نساء دمشق أنهن مكبوتون على بيوتهن وممنوعون من حقوقهن بل كان للمرأة السورية دور سياسي واجتماعي لا يقل شأن عن الرجل
يذكر الشيخ علي طنطاوي رحمه الله بمذكراته
وعاش هذا الشعب الفقير على الخبز وطوى ليله جائعاً ولم يسمع أن لصاً قد مد يده الى مال فحتى اللصوص شاركوا بالإضراب
ونشرت جريدة “لوجورنال دوناسيون” في جنيف رسالة لسيدة سويسرية مقيمة بدمشق جاء فيها
مع أن الإضراب استمر لأكثر من شهرين فإنه لم يحدث حادث من حوادث الجنايات وكان الغني يساعد الفقير في هذا النضال العنيف ولقد كانت مظاهراتهم رمزاً للتضحية العالية التي نقرأها في الأساطير، وكانت الطبقة المثقفة قائدة ھذه الحملات الجبارة التي قاسى الشعب فیھا ما قاسى وتحمل من الآلام ما تنوء عن حمله أعرق الأمم قوة وحضارة
وعندما وجدت فرنسا أن الوضع كاد يخرج من يدها، وخصوصاً مع توسع التأييد الشعبي والعربي وحتى العالمي للإضراب والمظاهرات السورية ضد الانتداب، طلبت عقد مفاوضات مع الكتلة الوطنية، برئاسة هاشم الأتاسي يوم 28 فبراير/ شباط 1936م في مدينة بيروت حول إيقاف الإضراب وبحث القضية السورية،
“ومع فترة الاحتلال الفرنسي لم يهدأ الشارع السوري عن الاحتجاجات وبعد الإضراب الستيني بدأت المظاهرات في شباط 1939 واستمرت الى شهر حزيران من ذات العام ، حيث خرجت للاحتجاج على قانون الاحوال الشخصية بعد فرض تنفيذه من قبل السلطات الفرنسية ونصه أن لا يعتمد على الشريعة الاسلامية وبذلك يخالف حكم المواريث والزواج والطلاق حسب عادات السوريين
لم تتوقف المظاهرات فقد من أجل قانون الاحوال الشخصية بل طالبت المظاهرات الحكومة والرئيس بالتنحي لعدم مقدرتهم الحفاظ على لواء اسكندرون حينها
وانتهت المظاهرات باستقالة الحكومة برئاسة جميل مردم بك، ورئيس الجمهورية هاشم الاتاسي.
عشر سنوات من 1936 الى عام 1946 لم تتوقف الاحتجاجات والثورات السورية بل عمت المظاهرات البلاد عقب الحرب العالمية الثانية وتحولت دمشق وريفها وحماة وحمص وباقي المحافظات لساحة صدام مع القوات الفرنسية وقصفت القوات الفرنسية دمشق وللمرة الأولى بالمدفعية الثقيلة وهنا تدخل رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل وبدء بمفاوضات ثلاثية بين الإنكليز والفرنسيين والسوريين مفادها استقلال سوريا وخروج القوات الفرنسية
والمطالبة بتشكيل جيش تحرير وطني وأعلنت جميع الدول العربية إضراب شامل لمدة يوم مع السوريين وصرحت صحف فرنسية بأن السوريون هزوا صورة القائد العسكري الفرنسي شارل ديغول السياسية والعسكرية أمام العالم
وقبل نهاية الاحتجاجات السورية
تسلم السوريون الثكنات العسكرية في 1 اغسطس والذي غدى عيد الجيش وادى لإنشاء الجيش السوري ورفعت القضية لمجلس الأمن الدولي مع تعهد فرنسا وبريطانيا بعدم استعمال حق النقض واصدر قرار جلاء الفرنسيين في فبراير عام 1946.
حينما اتخذ مجلس الأمن القرار الدولي رقم 181 عام 1947والقاضي بتقسيم فلسطين لدولتين يهودية وفلسطينية
بدأت المظاهرات السورية تجتاح البلاد بل تطورت التظاهرات لتصل لحرق وتكسير السفارة الأمريكية ومقر حزب الشيوعي وسفارة بلجيكا والمركز الثقافي السوفيتي وأحرق السوريون حينها أكثر من 300 بيت يهودي بدمشق وأكثر من 11 كنيس في حلب أحرقوا بالكامل وتطورت لأعمال شغب قتل مواطنون يهود على إثرها…
واستمرت الاحتجاجات بالتزامن مع الإعلان عن تقسيم فلسطين حتى أدت لإعلان حالة الطوارئ في البلاد واستقالة الحكومة وكانت بداية انقراض اليهودية من سوريا.
في 1948
بدأ تدهور اقتصادي في البلاد وتراجع لليرة السورية وتفشت حالة الإحباط في الشارع وبدأت إضرابات عمالية ولا سيما في حلب
أيضا في 1949 وفي الذكرى الأولى لتقسيم فلسطين تمت الدعوة لإضراب عام ومظاهرات في كافة أنحاء سوريا وأضرب العمال والموظفون والطلاب وتوقفت السكك الحديدية بشكل كامل والاتصالات وأدت المظاهرات لاستقالة الحكومة بعد احتجاجات السوريين على حكومتهم وجيشهم بعد هزيمة فلسطين
وبعد سنوات من الهزيمة الفلسطينية
في يناير 1958 اجتاحت المدن السورية مظاهرات كبيرة وهي تنادي بالوحدة بين مصر وسوريا وكانوا يرفعون لافتات (عايزين وحدة باكر باكر ويلا الأسمر عبد الناصر) وتوجهت هذه المظاهرات بمطالبات رسمية لشكري القوتلي وجمال عبد الناصر بوحدة البلاد واستقال الرئيس شكري القوتلي ليصبح نائب عبد الناصر وخرجت الجماهير السورية بكل المحافظات السورية مبتهجة بالتوحد ونفسهم السوريون الذين خرجوا بمظاهرات للوحدة مع مصر
عاودوا التظاهر ضد عبد الناصر بعد سنوات من الوحدة حيث تلاشت أحلام السوريين بتحرير فلسطين من خلال الوحدة المصرية السورية وكان عبد الناصر إشترط بوحدته مع سوريا إلغاء التعددية الحزبية وحل الحزب الشيوعي وحارب الإخوان المسلمين وكان السوريون قبل الوحدة مع مصر يمارسون حقوق إنشاء الأحزاب وتعدد الصحافة والنقابات وحرية الرأي ولم تعجبهم الديكتاتورية التي عمل عبد الناصر بها من إلغاء التعددية السياسية والحزبية وعدم تحسين الاقتصاد المنهار.
“انتفاضة الاخوان” 1976 1982
بعد وصول البعث للسلطة شهدت البلاد حالة غليان كبير وخصوصا الإسلاميين وكان على رأسهم حزب الإخوان المسلمون وانتفض الإخوان في سوريا من عام 1976 باحتجاجات سلمية تطورت فيما بعد لأعمال مسلحة بعد قيام نظام الأسد وسرايا الدفاع التابعة لرفعت الأسد بارتكاب مجازر ضد السوريين وخصوصا حماة وجسر الشغور وحلب وريف دمشق
خروج السوريين ضد البعث لم يكن محصورا في جماعة الإخوان ولم تكن هي فقد أحداث الثمانيات وحماة بل خرج السوريون من عام 1963 بعد انقلاب البعث على السلطة ووصوله للحكم في سوريا
وبعد عام 1973 حيث أعلن حافظ الأسد تعديل الدستور وتسبب بأزمة وطنية بعد الغاء شرط أن يكون الرئيس السوري مسلما الأمر أدى لانتفاضة جديدة ومظاهرات شرسة
وحتى عام 1980 في 8 اذار أصيبت جميع الدن السورية بشلل تام بالبلاد بسبب المظاهرات وتصاعدت الأحداث حتى قام النظام السوري بإرسال الاف الجند والمروحيات والدبابات للسيطرة على المدن وقمع التظاهرات ونجى حافظ بعد ذلك بأيام في 26 اكتوبر 1980 من محاولة اغتيال
وهنا كان القرار الحكومي بإعدام أي متظاهر وأي منتسب لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا.
ثم توقفت الاحتجاجات في زمن استبداد حافظ وبشار ولأول مرة في تاريخ سوريا المعاصر لثلاثين سنة متتالية وكان الكثير يراهن أن السوريون بعد استبداد أل الأسد وقبضتهم الأمنية وتشبيحهم الطائفي لن يجرؤوا بالخروج على النظام
حتى انفجار الثورة السورية مطلع 2011
واليوم يجب على العالم أن يعيد قراءة تاريخ السوريين السياسي القديم والحديث ليعلم العالم برمته أن السوريون لا يستكينون على جرح ولو تآمر عليهم العالم أجمع لن يثني عزيمتهم في ثورتهم حتى إسقاط النظام.