تكهنات كثيرة حول أسباب السماح لرفعت الأسد بالعودة لسوريا
عاد مؤخرًا رفعت الأسد، شقيق الرئيس السوري الهالك حافظ الأسد، إلى سورية بعدما أمضى سنوات طويلة في منفاه الأوروبي. وأُرغم رفعت على مغادرة سورية، بعدما قاد محاولة انقلاب فاشلة في آذار/مارس 1984 ضد شقيقه الذي كان مريضًا آنذاك، وأثارت عودته تكّهنات كثيرة حول أسباب السماح له بالعودة لإيضاح هذه الصورة قراءة التقرير التالي على مسارات:
لماذا سمح بشار الأسد بعودة عمه رفعت الأسد إلى سورية منذ بضعة أسابيع؟
نظرًا لغياب المعلومات الدقيقة، لا بدّ لنا من التعويل على ما ورد في صحيفة “الوطن” السورية في 8 تشرين الأول/أكتوبر. فقد ذكرت الصحيفة أن رفعت “وصل بالأمس إلى دمشق وذلك منعًا لسجنه في فرنسا بعد صدور حكم قضائي وبعد مصادرة ممتلكاته وأمواله في إسبانيا أيضًا”.
بالفعل، أثبتت محكمة الاستئناف في باريس حكمًا قضى بسجن رفعت الأسد أربع سنوات. وأفادت مصادري أن نجل رفعت، دريد، وحفيده الذي يحمل اسم رفعت أيضًا، بذلا جهودًا حثيثة في أيلول/سبتمبر الماضي لضمان عودته إلى سورية، ولا سيما بعد القرارات التي اتخذتها بحقّه مؤسسات رسمية سورية متعددة في العقود الأخيرة. نحن نعلم أنه زار دمشق مرتَين بعد نفيه إلى روسيا في العام 1984 ومن ثم إلى إسبانيا وفرنسا؛ فقد عاد في العام 1992 لتشييع والدته ومن ثم في العام 1994 إثر وفاة ابن أخيه باسل. ولكنه مُنع في حزيران/يونيو 2000 من العودة للمشاركة في تشييع شقيقه الهالك حافظ الأسد الذي حاول الانقلاب عليه في العام 1984، ولا سيّما بعد الاشتباكات المسلحة التي وقعت أيضًا بين القوات الموالية له والقوات التابعة للنظام في اللاذقية في أواخر تسعينيات القرن الماضي.
إذن، تحمل صياغة الخبر في صحيفة “الوطن” أهمية كبرى، إذ أوردت أن رأس النظام ترفّع عن كل ما فعله رفعت الأسد وسمح له بالعودة إلى سورية مثله مثل أي مواطن سوري آخر ولن يكون له أي دور سياسي أو اجتماعي”.
عاش رفعت الأسد في فرنسا لسنوات عدة من دون أي مشاكل. هل من أسباب سياسية دفعت مؤخرًا السلطات الفرنسية إلى مباشرة التحقيق في قضايا الفساد المتورّط فيها؟
ذكرت صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية في 14 تشرين الأول/أكتوبر أن المخابرات الفرنسية سمحت له بالمغادرة تقديرًا منها لـ”الخدمات” التي قدمها لفرنسا في ثمانينيات القرن الماضي، عندما كان رجلًا قويًا في سورية. فقد عُرف بالعلاقات الوثيقة التي جمعته بأجهزة الاستخبارات الغربية والخليجية. لا أملك معلومات مؤكدة عن صفقة بين باريس ورفعت الأسد، ولكنني علمت مسارات من المقربين منه أنه غادر فرنسا متوجهًا إلى بيلاروسيا (روسيا البيضاء) قبل أسابيع من صدور قرار محكمة باريس، ومن هناك قام بالترتيبات اللازمة لعودته إلى دمشق في تشرين الأول/أكتوبر. ولا شك أن نجاح هذا المخطط تحقق بعلم موسكو وموافقتها، إذ تربطها علاقات جيدة بالأسد والرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.
في الواقع، لا يُخفى على أحد أن موسكو لعبت دورًا هامًا في ضمان استقرار النظام السوري عندما غادر رفعت الأسد البلاد بعد خلافه مع شقيقه. وهذه المرة، اهتم الروس بالاستقرار عندما ساهموا في عودته إلى سورية. لذا أنا أشدّد على الدور الذي اضطلعت به روسيا، لا فرنسا، في تسهيل عودته، على الرغم من استئناف الاتصالات الأمنية بين المخابرات السورية والفرنسية بعدما عُلّقت لسنوات في أعقاب الاحتجاجات السورية في العام 2011.
كيف كانت علاقة رفعت الأسد بأبرز قادة الجيش والأجهزة الأمنية العلويين، السابقين والحاليين، ولا سيما مع ابن أخيه ماهر، القائد الفعلي للفرقة الرابعة؟
حظي اتفاق خروج رفعت الأسد من سورية في منتصف ثمانينيات القرن الماضي بدعمٍ من روسيا وبعض الدول العربية ونصّ على حلّ “سرايا الدفاع”، وهي الفرقة العسكرية التي ترأسها آنذاك وبلغ عديدها 40 ألف عنصر تقريبًا.
حظي رفعت الأسد بدعمٍ من الجهات السورية التي استفادت منه ماليًا ومن الطائفة المرشدية، وهي مجموعة صغيرة من العلويين شكّلت نواة “سرايا الدفاع”. ولكن مع مرور الزمن، تضاءل نفوذه في الجيش والأجهزة الأمنية، وأعلن مناصروه السابقون وأبناؤهم ولاءهم للنظام الحالي.
ويتحدّث البعض أيضًا عن تشابه في الشخصية بين اللواء الركن المجرم ماهر الأسد وعمّه رفعت. ويتولّى ماهر حاليًا قيادة “الفرقة الرابعة” في الحرس الجمهوري، وهي قوة ضاربة كُلّفت بحماية دمشق وأدّت دورًا محوريًا في العمليات العسكرية في محيط دمشق ودرعا وإدلب وغيرها. إضافةً إلى ذلك، لا نظن أن العلاقات التي بناها رفعت الأسد مع الجيش والأجهزة الأمنية ما زالت قائمة في الوقت الحاضر. فقد بنى القادة الأصغر منه سنًّا في الجيش والأجهزة الأمنية قوّتهم خلال سنوات الحرب ولا يعرفونه، في حين أن القادة الأكبر سنًّا يُعدّون من خصومه.
كيف تؤثّر عودة رفعت على توازن القوى داخل عائلة الأسد، في الوقت الراهن وفي المستقبل؟
تظهر عودة رفعت أهمية الروابط التي تجمع بين أفراد العائلة في سورية. لسخرية القدر، توفي كلٌّ من نائب الرئيس السوري الأسبق عبد الحليم خدام ووزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس في فرنسا من دون أن يتمكنا من العودة إلى سورية، وهما كانا من بين الأشخاص الذين سعوا إلى إخراج رفعت من سورية ودعما شقيقه حافظ في الثمانينيات. أما رفعت، الذي حاول تنفيذ انقلاب عسكري ضد شقيقه حافظ في العام 1984، وعمل في المنفى ضد ابن شقيقه بشار طوال عشرين عامًا، فقد عاد إلى سورية وأغلب الظن أنه سيُدفن هناك.
تدل كل المؤشرات على أن رأس النظام بشار هو الرجل الأقوى في دمشق، وأن زوجته أسماء تتمتع بنفوذ كبير أيضًا. أما رفعت البالغ من العمر 84 عامًا فقد سُمح له بالعودة إلى سورية ضمن شروط محدّدة، لذا لا يجب المبالغة في تقدير نفوذه. لكن ينبغي الانتظار لرؤية ما سيحدث إذا قرّر زيارة قبور شقيقه وأمه وابن شقيقه في بلدة القرداحة، مسقط رأس آل الأسد، ومعقل رفعت الأسد منذ سنوات كثيرة، وكيف ستكون ردود فعل السكان المحليين.
هل سيضطلع رفعت بأي دور في العلاقات التي تجمع النظام بإيران أو روسيا؟
حين كان رفعت جزءًا من الحلقة الضيقة في السلطة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، اعتُبر مواليًا للغرب ودول الخليج، ومعارضًا لروسيا وإيران. لكن بين طهران وموسكو، فضّل موسكو، التي كانت محطته الأولى حين نُفي من سورية.
يرى البعض أن عودته إلى البلاد ستعزّز دور روسيا على حساب إيران، أو أنها ستحافظ على ما تبقّى من الدور الغربي في دمشق. لكنني أعتقد أن هذا التصور مرتبط بسورية القديمة، وليس سورية الجديدة المنقسمة إلى ثلاث مناطق نفوذ هي: واحدة تحت سيطرة أميركا وحلفائها، والثانية تحت سيطرة قوات الحكومة بدعم من روسي وإيران، والثالثة خاضعة لسيطرة فصائل تدعمها تركيا.
لقد تغيّرت سورية وتغيّر رفعت معها أيضًا. لذا، من الضروري أن تتأقلم قراءتنا لسورية مع هذا الواقع الجديد.
كذلك، علينا ألّا ننسى أن رفعت الأسد عاد إلى سورية تجنّبًا للسجن في فرنسا. قبل عودته، صوّت لابن شقيقه في السفارة السورية في باريس خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت في شهر أيار/مايو، واصفًا بشار بأنه “رجل الاستقرار”.