مقالات الرأي

انتفاضة الدروز وإعادة ترتيب الأوراق الدولية للثورة السورية في التصدي لايران ونظام الاجرام بشار الاسد

تمثل انتفاضة الدروز في سوريا منعطف هام في الثورة السورية، حيث كان لها تأثير كبير في دعم الثورة السورية، وتقديم نموذج مشرق لثورة شعبية سلمية تطالب بالحرية والكرامة، وتأتي هذه المظاهرات تأكيداً على إستمرار روح الثورة السورية الأصيلة التي تطالب بالحرية والديمقراطية والعدالة وفق القرارات الدولية، إلى جانب إظهار رغبة الدروز في الحفاظ على هويتهم ومصالحهم في ظل الأزمة السورية، كما تشير إلى احتمالية حدوث تحولات جديدة في ميزان القوى والدعم الدولي للثورة السورية.

 

وعلى الرغم من أن المظاهرات السلمية في السويداء لم تعد في دائرة الضوء منذ إندلاع حرب غزة، إلا أن الحراك الدرزي استطاع أن يعيد الإهتمام الدولي بالقضية السورية باستدامته وتعبيره عن أفكار كثيرة حفزت السوريين على النزول إلى الشارع مرة أخرى وإحياء الثورة من جديد، كما أن هذه الاحتجاجات شكلت الوسيلة التي يتواصل من خلالها المتظاهرون مع العالم، وقد أصبحت ثورة الدروز رمزًا للكثير من السوريين داخل البلاد وخارجها كموجة ثانية من الثورة السورية نظرًا لنطاقها غير المسبوق، ولكن هل ستكون انتفاضة الدروز نقطة التحول؟ وهل سيتمكن هذا الحراك من الإطاحة بنظام الأسد وبدء مرحلة سياسية ديمقراطية جديدة لإعادة إعمار سوريا، مما يسمح بعودة اللاجئين والنازحين إلى موطنهم مرة أخرى؟

 

على الرغم من أن انتفاضة الدروز في السويداء لم تحقق بعد أهدافها على أرض الواقع، إلا أن استمرارها وعدم قدرة النظام على إخضاعها خلال الأشهر الماضية، يعد بحد ذاته أكبر إنتصار لقوى المعارضة منذ إندلاع الثورة السورية، إنتصار صنعته مشاركة واسعة ومؤثرة من شرائح المجتمع السوري كافة .

ما هي انتفاضة الدروز في سوريا؟

تعد طائفة الدروز من الأقليات الدينية الكبيرة في سوريا، حيث يوجد في سوريا أكبر عدد من السكان الدروز في العالم، ويشكل الدروز في سوريا أكثر من 3 ٪ من عدد السكان، وهم ثالث أكبر أقلية دينية هناك، ويقطنون في المناطق الريفية والجبلية شرق وجنوب دمشق في جبل الدروز، ويعتنق الدروز الديانة التوحيدية أو مذهب التوحيد، وكل عقائد العقيدة الدرزية مأخوذة عن الطائفة الإسماعيلية، وقد تأثرت بتيارات فلسفية ودينية متعددة من أصول مختلفة.

 

وتركز الموحدون الدروز السوريون في محافظة السويداء، وأصبح بعضهم أكثر تعارضًا مع الحكومة بعد بدء الثورة السورية، حيث أصدر بعض قادة الدروز بيانات مناهضة للسلطة، ورفض الكثير من الدروز خدمة التجنيد الإجباري في الجيش السوري أو الإنضمام للميليشات الموالية للحكومة، ولكننا نجد بعض الميليشيات الدرزية الموالية للحكومة، ومن أبرزها جيش الموحدين الذي يناصر نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ويمثل أحد أهم الداعمين للنظام الحاكم، وكذلك فوج الجولان، وهو ميليشيا يغلب عليها الدروز، وتعد جزء من قوات الدفاع الوطني الموالية للحكومة، فيما يُعد موقف باقي الدروز غامضًا، ويفضل العديد منهم التزام الحياد والبقاء بعيداً عن الأحداث السياسية الراهنة.

وقد شهدت مدينة السويداء نشأة انتفاضة الدروز وامتدادها لجميع أنحاء سوريا، فغالبية سكانها من الدروز، وقد تميزت بمواقفها شبه المحايدة من الأحداث التي شهدتها سوريا منذ انطلاق بدايات الثورة السورية في عام 2011، واتخذ سكانها موقفاً محايداً من النظام السوري، في محاولة للمحافظة على وجودهم فيها باعتبارهم أقلية دينية، وتجنب الوقوع أي اشتباكات مسلحة مع النظام السوري.

 

وقد شهدت السويداء منذ 2015 عدة حراكات سياسية بهدف تحسين الأوضاع المعيشية نتيجة الظروف الإقتصادية الصعبة، وقد استفاد الدروز من تهاون النظام معهم وتهميشهم، وتوجهوا صوب الانعزال وتحقيق الحماية الذاتية عبر ميليشيات عسكرية تولت مهمة حمايتهم، مما يعنى تشكيل بنية عسكرية على أساس طائفي، وقد عملوا على حل خلافاتهم وتسيير شؤونهم من خلال رجال الدين وزعماء الطائفة الدرزية، وأصبح دور الدولة مقتصراً على تقديم الخدمات ودفع الرواتب للموظفين.

 

ومن هنا برزت أصوات عديدة تطالب بتطبيق الحكم الذاتي، وخاصة بعد بدء أحداث الثورة السورية، ودخلوا الدروز في صدامات مع أجهزة الأمن انتهت في الغالب لمصلحتهم، ولم يستطع النظام مواجهة الدروز مثلما فعل مع السنة؛ وذلك لإدراكه مدى قوة العصبية الدرزية من جهة، ومن جهة ثانية لا يستطيع النظام الحاكم إتهام الدروز بأنهم متطرفون إرهابيون كما وصف السنة.

 

وقد أدى ذلك إلى قلق النظام من احتمالية نشوء قضية درزية على غرار القضية الكردية، وخاصة في ظل طرح شعارات تطالب باللامركزية والحكم الذاتي للدروز في مناطقهم، وان كان هذا الأمر يبدو مستبعداً في ظل الظروف السياسية الراهنة، إلى جانب افتقاد الدروز لسند إقليمي أو دولي يدعم مطالبهم لتطبيق نظام لامركزي لتسيير شؤونهم الذاتية، وتحقيق التنمية الإقتصادية والعدالة الإجتماعية التي فشلت الدولة السورية في تحقيقها على مدار العقود السابقة.

كيف كشفت انتفاضة الدروز الكذبة الكبرى للنظام في حماية الأقليات؟

 

في أغسطس 2023، اندلعت في مدينة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، احتجاجات واسعة داخل المدينة بسبب إرتفاع معدل التضخم وتدهور الوضع الإقتصادي بصورة غير مسبوقة في سوريا، وشارك في الاحتجاجات مئات المتظاهرين، وتزايدت هذه المظاهرات وانتشرت إلى بقية أنحاء سوريا، بما في ذلك مدن درعا واللاذقية وطرطوس ودير الزور والحسكة وحمص، ثم امتدت لتشمل حلب والعاصمة دمشق.

 

ولكن الاحتجاجات تركزت في محافظتي السويداء ودرعا بشكل رئيسي وعلى نطاق واسع، وكان لمدينة السويداء النصيب الأكبر من الاحتجاجات، بينما ظهرت احتجاجات ومظاهرات أخرى لدعم انتفاضة الدروز المناهضة للحكومة السورية في بقية أنحاء سوريا، وشملت عدة مدن خاضعة لسيطرة النظام السوري.

 

وقد تميزت ثورة الدروز بالعديد من المزايا مقارنة بغيرها من المظاهرات والاحتجاجات التي كانت تحدث بين الحين والآخر في المدن السورية الأخرى:

 

  • الاستمرارية: تواصلت الاحتجاجات بشكل يومي دون انقطاع، مُشكلّةً رمزًا لصمود الدروز وتصميمهم على النضال، وتمسكهم بمواقفهم الوطنية.
  • التنظيم: اتسمت الاحتجاجات بوجود قيادة موحدة وخطط مدروسة، مما مكنها من تحقيق أهدافها بفعالية.
  • السلمية: حافظ المتظاهرون على سلميتهم، رافضين اللجوء إلى العنف رغم محاولات الاستفزاز العديدة من قبل النظام السوري.
  • عرقلة عمل النظام الحاكم: تمكن المتظاهرون من إغلاق جميع الفروع التابعة لحزب البعث الحاكم في المحافظة.
  • المشاركة النشطة للزعماء الروحيين الدروز المحليين: قدم وجود الزعماء الدروز في ساحة الكرامة ومشاركتهم دعمًا للانتفاضة ومطالبها، وكان بمثابة تحذير ضمني لنظام الأسد من أي أعمال عنف متهورة قد تستهدف المتظاهرين.

 

أما عن أسباب انتفاضة الدروز، فهناك عدة أسباب تراكمت على مدار السنوات الماضية من حكم الأسد( الاب والإبن)، ومن أبرزها ما شهدته سوريا من إنهيار اقتصادي منذ بدء الثورة السورية عام 2011، مما أدى إلى إرتفاع معدلات التضخم والبطالة، وانخفاض قيمة الليرة السورية بشكل كبير، مما دفع حكومة الأسد إلى إعلان زيادة رواتب موظفي القطاع العام بنسبة 100٪ في محاولة لمواجهة الأزمة الاقتصادية.

 

وفي المقابل، رفعت الحكومة أيضاً أسعار الوقود بصورة كبيرة، مما أدى إلى إرتفاع كبير في تكاليف النقل والسلع الأساسية وزيادة الأسعار، والذي أدى بدوره إلى المزيد من التدهور الإقتصادي وسوء الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والأمنية في مختلف أنحاء سوريا، مما أثار غضبًا واسعًا في جميع المدن السورية، وأدى إلى إندلاع احتجاجات في العديد من المدن.

 

أما الوجه الآخر لانتفاضة الدروز، فيأتي كردة فعل على ممارسات النظام السوري ضد الطائفة الدرزية، بما في ذلك التهميش السياسي والإقتصادي لهذه الأقلية الدينية على مدار السنوات السابقة، والانتهاكات الأمنية وعمليات التجنيد الإجباري في الجيش، والعديد من صور التمييز ضد الدروز، الذين حاولوا دائماً الحفاظ على حيادهم في الصراع الدائر منذ بدء الثورة السورية، وخاصة أنهم حافظوا على علاقات معقدة مع النظام السوري، تراوحت بين التعاون والمعارضة والحياد.

 

وقد كشف الانتفاضة زيف إدعاءات النظام بحماية الأقليات، حيث واجه الدروز نفس الظلم والقمع والعنف والتمييز الذي واجهه باقي السوريين، وأظهرت الانتفاضة مدى القهر الذي يعاني منه الدروز، على الرغم من كونهم من الطوائف الموالية للنظام.

 

وقد خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع للمطالبة برحيل بشار الأسد وإسقاط النظام السوري الحالي، وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي يدعو إلى عملية إنتقال سياسي سلمية، وهو ما يعد خطوة أساسية لا غنى عنها لتحسين الظروف المعيشية، كما طالب المتظاهرون بإقامة دولة عادلة وقانونية، يتم فيها توزيع خيرات سوريا على مواطنيها بالتساوي، ومراعاة حقوق الأقليات، مع التأكيد على ضرورة إجلاء جميع المليشيات العسكرية من الأراضي السورية، وخاصة الميليشيات الإيرانية.

 

ولم تعلق الحكومة السورية رسميًا على هذه الاحتجاجات، ولكنها أرسلت وفودًا إلى مدينة السويداء لمحاولة التفاوض مع المتظاهرين وزعماء الطائفة الدرزية هناك، ولكن باءت هذه المحاولات بالفشل، فلا يمكن منح هذا النظام فرصة أخرى بعد أن استنفذ كل فرصه السابقة، واستمرت الاحتجاجات في سوريا، ولكن النتيجة النهائية ظلت غير واضحة.

 

وقد دفع ذلك الحكومة السورية إلى محاولة السيطرة على انتفاضة الدروز بالقمع والتنكيل، فقامت باعتقال العديد من الناشطين ومحاولة ترهيب المتظاهرين، ولكن صمود الدروز وإصرارهم على النضال أجبر النظام على التراجع عن بعض مطالبه.

 

لا شك أن انتفاضة الدروز شكلت علامة فارقة في مسار الثورة السورية، وكانت بمثابة ثورة جديدة أعادت مشاعر التمرد ضد نظام بشار الأسد، وشجعت باقي السوريين على التعبير عن رفضهم للنظام، وكسرت حاجز الخوف الذي فرضه النظام على مدار سنوات منذ بدء الصراع الدموي بينه وبين المعارضة السورية، ومن أهم ما يميز ثورة الدروز أنها تجاوزت الحدود الطائفية، وأظهرت وحدة الشعب السوري في مواجهة الظلم والقهر، وليس كما يصورها النظام على أنها مظاهرات طائفية.

 

أحد أهم الأثار الرئيسية لانتفاضة الدروز هي توحيد الشعب السوري على النضال ضد النظام السوري القمعي المستبد، مما دفع بالعديد من الأفراد من مختلف الطوائف والأعراق في سوريا للانضمام إلى هذا النضال والمطالبة بحقوقهم المشروعة؛ لتعزيز التضامن والتعاون بين مختلف الطوائف في سوريا، حيث شكلت الإنتفاضة نقطة تلاقي للمطالب المشتركة بين الفئات المختلفة من الشعب السوري، مما ساهم في تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ مفهوم المواطنة السورية المشتركة.

 

بالإضافة إلى ذلك، ساهمت انتفاضة الدروز في رفع مستوى الوعي السياسي لدى الشعب السوري بشكل عام، حيث بدأ السوريون بالتفكير بجدية في مستقبل سوريا وفي النظام الذي يرغبون ببنائه بعد الإطاحة بالنظام الحاكم، كما دفع السوريون إلى التحرك من جديد ضد الظلم والقهر.

 

وقد وجهت الانتفاضة رسالة قوية للعالم مفادها أن الثورة السورية هي ثورة شعبية تمثل جميع السوريين، دون تمييز طائفي أو مذهبي، كما وجهت رسالة إلى باقي الأقليات في سوريا مفادها أن النظام لا يميز بين الطوائف، وأن الجميع معرضون للقمع والظلم والقهر دون تفرقة.

 

ولا شك أن انتفاضة الدروز سلطت الأضواء على معاناة السوريين، وجذبت إهتمام المجتمع الدولي من جديد إلى القضية السورية، وقدمت فرصة جديدة لكسر صمت المجتمع الدولي تجاه ما يحدث في سوريا، ودفعه إلى إتخاذ موقف حازم ضد هذا النظام المستبد، وقد عبرت  الدول الكبرى عن قلقها من استخدام النظام للعنف ضد المتظاهرين، ودعت إلى حل سياسي سلمي وفق القرار الدولي 2254.

 

بل أن الانتفاضة أجبرت النظام الحاكم على التراجع عن بعض خطواته القمعية، مثل سحب قواته من بعض الحواجز وإخلاء ثكنات عسكرية، لتخفيف حدة الاحتقان خوفاً من توسع الاحتجاجات إلى باقي المحافظات، حيث أثارت انتفاضة الدروز حماسًا واسعًا في أوساط المعارضة السورية، وقدمت دليلاً واضحاً على تزايد رفض الشعب السوري للنظام، وشجعت مجموعات أخرى على الإنضمام إلى الثورة السورية.

 

ما هي التحديات السياسية والعسكرية التي تواجه الثورة السورية في مواجهة نظام الأسد؟

أدخل انخراط الدروز في الثورة تعقيدًا جديدًا على المشهد السياسي السوري، حيث برزت مخاوف من انزلاق الصراع إلى اتجاهات طائفية أو صراعات مذهبية، وقد سعى النظام السوري إلى استغلال هذه المخاوف لتفريق قوى المعارضة، كما حاولت جهات إقليمية ودولية التأثير على مسار انتفاضة الدروز وتوجيهها لخدمة مصالحها الخاصة.

 

وقد واجهت انتفاضة الدروز تحديات كبيرة في تحقيق أهدافها، سواءً على الصعيد السياسي أو العسكري، وقد كان أبرزها التوازن بين المطالب المحلية ومطالب الثورة السورية، فلا يزال الدروز في سوريا يواجهون تحديات كبيرة في الحفاظ على هويتهم ومصالحهم في ظل الصراع الدائر في البلاد، هذا إلى جانب ما تواجهه انتفاضة الدروز من صعوبة توحيد الصف الداخلي وتكوين قيادة موحدة قوية قادرة على مواجهة النظام.

 

ولا يخلو المشهد من التداعيات الإنسانية، فقد تعرضت محافظة السويداء للقمع من قبل النظام السوري خلال انتفاضة الدروز، مما أدى إلى نزوح جماعي وفقدان للعديد من الأرواح، وتفاقمت الأوضاع الإنسانية في المحافظة بسبب نقص الخدمات الأساسية والحصار المفروض علي المحافظة من قبل نظام الأسد.

 

أضف لما سبق جانب آخر هام، وهو اختلال التوازن في القوى؛ فالحراك السياسي السلمي في السويداء لا يملك وزناً وقوة تجعله مؤثراً على النظام السوري الغاشم، وخاصة في ظل إستمرار الإنقسام داخل البيئة الدرزية، بين مؤيد للثورة على النظام ومؤيد لنظام الحكم وطرف آخر يدعو للانعزال والاستقلال الذاتي عن الدولة السورية، وذلك على غرار ما تعانيه المعارضة السورية بشكل عام من انقساماتٍ داخلية تُعيق توحيد الجهود لإسقاط النظام، بالإضافة إلى الطبيعة العشوائية والعفوية للانتفاضة، حيث أنها تفتقد إلى التنظيم والقيادة الموحدة.

 

ومن هنا يدرك القائمون بالحراك أن النظام السوري في موقع قوة، ومن الصعب إخضاعه بالاحتجاجات السلمية أو بالتهديد بالمجتمع الدولي والقرارات التي يتخذها، لذا فهم يرون أنه من الأجدى الحفاظ على شعرة معاوية في العلاقة مع الحكومة السورية.

 

كيف ساهمت انتفاضة الدروز في إعادة ترتيب الأوراق الدولية للثورة السورية؟

لقد جاءت مظاهرات السويداء كنتيجة حتمية لتدهور الأوضاع السورية، جاءت للمطالبة بالعدالة والديمقراطية وفق القرارات الدولية، وليس لتحقيق أهداف طائفية أو مذهبية، كما ذكرنا سابقاً، لذا فقد حظيت انتفاضة الدروز في السويداء بقبول واسع لدى كل السوريين حتى من كان منهم من طائفة النظام، فنجد الاحتجاجات المؤيدة للإنتفاضة منتشرة في المناطق التي كانت موالية سابقًا لحزب البعث الحاكم، كما أن الحراك هذه المرة هو حراك أقليات وليس حراك أكثرية سنية، وهذا من شأنه أن يُربك رواية النظام حول ضرورة بقائه لحماية الأقليات في سوريا.

 

وقد مثلت انتفاضة الدروز نقطة تحول هامة في الثورة السورية، وأظهرت للعالم كله إصرار الشعب السوري على الحرية والكرامة، ولكن ما هو تأثير انتفاضة الدروز على الموقف الدولي من الثورة السورية؟

 

لم تحظ انتفاضة الدروز بتعاطف دولي واسع النطاق، على عكس ما حدث مع بعض أحداث الثورة السورية الأخرى،  ويعود ذلك إلى عدة عوامل، منها:

  • الخوف من انزلاق الثورة السورية إلى انقسام طائفي، وتجنب أي تدخل قد يُفسر على أنه دعم لهذا الإنقسام.
  • تركيز الدول في الفترة الأخيرة على الملف النووي الإيراني، والصراع في قطاع غزة الذي كان على رأس أولويات الدول الغربية، مما أدى إلى تهميش قضية الثورة السورية.
  • انقسام المجتمع الدولي وعدم وجود موقف دولي موحد تجاه الثورة السورية، مما أضعف من تأثير أي دعم دولي محتمل لانتفاضة الدروز.
  • دعم إقليمي محدود في انتفاضة الدروز من خلال دعم بعض الدول العربية لمطالب الدروز السياسية، وتمثل في دعم الأردن من خلال تقديم مساعدات إنسانية للاجئين الدروز الذين فروا من محافظة السويداء، ودعم جهود الوساطة لحل الأزمة، وأيضاً دعم السعودية التي عبرت عن دعمها لمطالب الدروز السياسية، ونددت بقمع النظام السوري لهم.
  • محاولة النظام السوري تصوير انتفاضة الدروز على أنها مؤامرة طائفية تهدف إلى تقسيم سوريا وتخدم مصالح خارجية.
  • استغلال النظام السوري الانقسامات الداخلية بين الدروز لتفكيك صفوفهم وإضعاف قيادتهم.

 

وعلى الرغم من أن تأثير انتفاضة الدروز على الموقف الدولي من الثورة السورية محدودًا، إلا ان بعض الدول الغربية والمنظمات الدولية حاولت دعم الدروز والثورة السورية من خلال التنديد بقمع النظام السوري لانتفاضة الدروز، والمطالبة بوقف انتهاكاته لحقوق الإنسان، كما

فرضت بعض الدول عقوبات إضافية على النظام السوري ردًا على قمعه لانتفاضة الدروز.

هل يستخدم النظام السوري الخيار العسكري لإنهاء انتفاضة الدروز؟

ينفي النظام السوري استهداف حراك السويداء بالتعزيزات العسكرية، على الرغم من إرساله تعزيزات عسكرية كبيرة إلى محافظة السويداء، مما أثار قلق الأهالي حول أهدافها، وهل هناك صلة لهذه التعزيزات بالحراك الشعبي المناهض للنظام، أم أنها تأتي في إطار التحركات العسكرية المعتادة للحفاظ على الأمن، وخاصة في ظل التطورات الإقليمية الأخيرة في المنطقة.

 

وكانت القوات الحكومية السورية قد دفعت بمزيد من التعزيزات العسكرية باتجاه محافظة السويداء، وتضم ناقلات الجند والدبابات والمدرعات وعشرات الآليات الثقيلة، ومزيداً من التعزيزات العسكرية إلى المنطقة الجنوبية، وادعى النظام السوري ارتباط التعزيزات العسكرية بتغير المعادلات الإقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة، وما تتطلبه من إعادة السيطرة على جبهة الجنوب السوري، وخاصة بعد مشاركة الأردن إلى جانب قوات أجنبية في التصدي للطائرات الإيرانية في هجومها على إسرائيل.

 

ولكن ذلك لا ينفي احتمال استخدام الحل العسكري في إخماد انتفاضة السويداء واستعادة هيبة النظام وأجهزته الأمنية هناك، وخاصة بعد تصاعد التوتر والمظاهرات العارمة، ووجود توقعات بشن حملة عسكرية لإخماد المظاهرات الاحتجاجية في كامل المحافظة.

 

وعلى الرغم من أن الزعامات الدينية والإجتماعية في المنطقة تسعى إلى توحيد الصفوف وتجنيب المحافظة العمل العسكري والتمسك بسلمية الحراك، إلا أنها تبدي  استعدادها لرد أي إعتداء أو تدخل عسكري من أي جهة وسط تحذيرات دولية من حدوث تصعيد عسكري وحملة اعتقالات واسعة في السويداء لإنهاء انتفاضة الدروز، خاصة بعد استقدام قوات النظام السوري تعزيزات ضخمة إلى المحافظة، ولكن أُولى نتائج استخدام الحل العسكري هو تجريد النظام السوري من علَّة وجوده حتى الآن وهي حماية الأقليات، كما أن التاريخ النضالي والسياسي للدروز ربما سيدفعه للتفكير كثيراً قبل إتخاذ هذا القرار.

كيف يمكن للمجتمع الدولي المساعدة في دعم الثورة السورية ضد نفوذ إيران ونظام الأسد؟

يجب على المجتمع الدولي تجديد اهتمامه بالقضية السورية، فعلى الرغم من تراجع الإهتمام بالثورة الثورية وتداعياتها، واستحواذ النزاعات في أماكن أخرى من المنطقة في الفترة الأخيرة على إهتمام المجتمع الدولي، ولكن تقديم حل حقيقي ونهائي للأزمة السورية يمثل جزء من الإستقرار الإقليمي، وهو ما لا يمكن تجاهله.

 

كما يجب على كل من يدعم الثورة السورية أو يتصدى للدفاع عنها، أن يتذكر حقيقة ما يجري في سوريا من شعب يطالب بحقوقه الأساسية في الحرية والكرامة والمساواة، بعيداً عما يصوره النظام الحاكم من الطائفية والمذهبية والجماعات الإرهابية والأجندات الخارجية، هم فقط شعب بحاجة إلى حماية من نظامه السياسي الذي تناسى مسؤولياته واستخدم أسلوب القمع بكافة الوسائل الوحشية، وهنا تأتي مسؤولية المجتمع العربي والدولي في التدخل بشكل عاجل وفاعل لوقف استخدام العنف المفرط في سوريا.

 

كما أن للمجتمع العربي والدولي مصلحة ملحة في إيجاد حل للأزمة في سوريا، لان إستمرار الأزمة السورية يوفر بيئة ملائمة لإنتشار العنف المضاد وتفشي الجماعات الإرهابية، والذي لن يقتصر تأثيره على سوريا وشعبها فحسب.

 

ولعل تأخر المجتمع العربي والدولي بتقديم دعم حقيقي للشعب السوري نابع من عدم رغبته بالتدخل العسكري المباشر أو غير المباشر في سوريا، ولكن هناك الكثير من الخيارات المتاحة لمساعدة الشعب السوري بوسائل أخرى بعيداً عن التدخل العسكري في سوريا، وتشمل:

 

  • تفكيك العلاقات الاقليمية المرتبطة بالنظام السوري الذي لا زال قادراً على الصمود حتى الآن بسبب امتلاكه أوراق اقليمية، من أبرزها دعم إيران واستخدام نفوذها وقواتها لدعم النظام الحاكم، ولذا فإن اولى خطوات معالجة الأزمة السورية هي التصدي احلفاء النظام السوري وداعميه، والتصدي بصورة خاصة لنفوذ إيران وتدخلاتها السافرة في الثورة السورية، وأيضاً الضغط على روسيا والصين لوقف تصدير أي معدات عسكرية أو مادية أو تقنية من شأنها مساعدة النظام السوري في حربه الغاشمة ضد شعبه.
  • الضغط على دول الجوار (العراق ولبنان والأردن) للانضمام للدول الموقعة للعقوبات على الحكومة السورية، وهو ما سيزيد من فعالية العقوبات ويعجل بنهاية النظام السوري.
  • العمل على التعاون مع الفاعلين العرب والدوليين للتحريض على مقاطعة سياسية كاملة للنظام السوري، مع تقديم دعم عسكري وتقني للمعارضة المسلحة.
  • زيادة عدد المراقبين الدوليين، ونشر قوات حفظ سلام دولية تضمن إيقاف العنف، وتضمن أيضاً ممارسة السوريين لحقوقهم في التظاهر السلمي باستخدام الوسائل السلمية.
  • توحيد جهود المعارضة السورية والقوى الإقليمية، وتقديم تصور واضح للمرحلة القادمة، بما يضمن إنتقال سوريا إلى بلد ديمقراطي مدني يضمن حقوق وحريات جميع مواطنيه، مما سيضمن للمجتمع الدولي والإقليمي حرص قوى المعارضة على تحقيق أهداف الثورة، ويسهم في طمأنة المتخوفين من مرحلة ما بعد نظام الأسد.
  • تقديم تصور لخطة تساعد على إعادة إحياء شامل للإقتصاد السوري في حقبة ما بعد الأسد، لتقديم الضمانات للداعمين للنظام بأن الإقتصاد السوري لن ينهار بسقوط نظام الأسد كما حل بالإقتصاد العراقي، بل أن من مصلحة الجميع التخلي عن النظام السوري وإسقاطه لإعادة إنعاش الإقتصاد الذي يزداد تدهوراً يوماً بعد يوم.
  • تقديم الدعم الكامل للاجئين السوريين في الخارج بما يضمن لهم حياة كريمة تلبي احتياجاتهم الأساسية.
  • الحد من نفوذ القوى المتطرفة والمليشيات المسلحة التي تجد في سوريا اليوم بيئة مناسبة للانتشار، والاعتراف بالجيش السوري الحر والعمل على تنظيمه سياسياً ودعمه عسكرياً وتحديد آليات عمله في حماية المدنيين، ليكون سداً منيعاً في وجه صعود الجماعات السلفية المقاتلة أو المليشيات العسكرية ويحد من انتشارها ونفوذها في الأراضي السورية.
  • إنشاء لجان حقيقة للعمل على الملف السوري لجمع الأدلة لمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب التي ارتكبها النظام السوري منذ بدء الثورة السورية السلمية لكي يتحمل نتائج أفعاله التي ارتكبها ضد الشعب السوري طوال سنوات.
  • على المجتمع الدولي مسؤولية الرد الفوري والحاسم مستخدماً قوانين ميثاق الأمم المتحدة عبر مجموعة من الاجراءات السلمية أو العسكرية، بدءاً من تطبيق العقوبات الصارمة، الإحالة إلى محكمة الجنايات الدولية أو إستخدام القوة إذا استدعى الأمر.

مهند الحموي
خريج ماجستير علوم سياسيه وحاصل على دبلوم علاقات دولية
ومستشار سابق بهيئة التحكيم الدولي
كاتب وباحث في مجال العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: